في ظل أرقام مرعبة للمتغيبين بالعراق.. قوانين معطلة وأمل مفقود للأهالي
في ظل أرقام مرعبة للمتغيبين بالعراق.. قوانين معطلة وأمل مفقود للأهالي
مدير ناحية الصقلاوية في الأنبار: 1100 متغيب من أهالي الناحية لا يزال مصيرهم مجهولاً
رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر: لدينا حالياً 28,892 ملفاً مفتوحاً لأشخاص مفقودين.. ومستمرون في دعم السلطات
برلمانية عراقية: توجد مسودة قانون للمطالبة بحقوق المغيبين وحتى الآن لا يوجد قانون يتعلق بالاختفاء القسري
برلماني عراقي: القوى السياسية أهملت ملف المغيبين الإنساني واتخذته وسيلة للمزايدة السياسية
العراق- عبد الرشيد الصالح
لم تعد بحيرة الرزازة الشهيرة وحدها ما يميز هذه البلدة الواقعة بين صحراء الأنبار وكربلاء، فقد بات هناك ما هو أكثر ألماً بالنسبة للأهالي.. ذكريات أبنائهم الذين تغيبوا منذ سنوات.
وفي داخل البلدة الصغيرة ينظم أهالي المتغيبين وذووهم منذ عام 2014 وقفة احتجاجية للمطالبة بالكشف عن مصير أبنائهم.
وعلمت "جسور بوست" خلال لقائها عددا من ذوي الضحايا الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً، أن عددهم يبلغ 193، وقد اختفوا منذ فترة الحرب على تنظيم داعش وتداعياتها، وحتى الآن لا معلومات عنهم.
يقول "أبو ياسر" وهو والد أحد المتغيبين في حديثه لـ"جسور بوست"، إن "ابنه فقد بتاريخ 29 أكتوبر عام 2015، ومنذ ذلك التاريخ مصيره مجهول"، مبينا أن "جميع المختفين من المعارف والأقارب وجميعهم من أهالي محافظة الأنبار".
ويوضح، أنه "لم يترك بابا إلا وطرقه من أجل الكشف عن مصير ابنه ومعرفة مكانه، لكنه لم يتوصل إلى أي نتيجة تذكر".
ويقول "أبو علي العسافي" وهو والد أحد المتغيبين، إن "نجله اختفى مع عدد من أقاربه في الرزازة بتاريخ 22 فبراير 2016، واختفوا منذ ذللك الوقت".
وطالب العسافي من خلال حديثه لـ"جسور بوست"، الحكومة بالكشف عن مصير أبناء المنطقة، لا سيما أن الحادث مرت عليه سنوات طويلة".
مئات المفقودين في "الصقلاوية"
وليست الرزازة وحدها من تضرر، بل هي واحدة من مجموعة مناطق أخرى بالأنبار فقد منها الآلاف، وتعتبر ناحية الصقلاوية (65 كلم شمال غرب بغداد) والواقعة في الأنبار أيضاً، واحدة من أكبر المناطق التي تضررت في العراق بفعل الحرب على الإرهاب، والتي تسببت بفقدان أبنائها، إلى جانب مناطق ومدن أخرى بينها الموصل وجرف الصخر ويثرب وأقضية أخرى في صلاح الدين والأنبار.
وقال مدير ناحية الصقلاوية في الأنبار، سعد غازي، لـ"جسور بوست"، إن "760 متغيبا من أهالي الناحية لا يزال مصيرهم مجهولاً منذ أيام عمليات التحرير ضد تنظيم داعش، في حين يرتفع العدد الكلي إلى 1100 مغيب جراء الأحداث الأمنية وتداعيتها".
سعد غازي
مليون متغيب خلال 4 أعوام
وفي السياق، قال رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق، جان جيروم كازابيانكا، بحسب بيان تلقته "جسور بوست"، إنه "في النصف الأول من عام 2023، قدمت العائلات 994 طلبًا للبحث عن أقربائها المفقودين، وقد جرى إيضاح مصير ومكان تواجد 171 شخصًا إلى جانب لم شمل 5 أشخاص مع عائلاتهم في خارج العراق، لدينا حاليًا 28,892 ملفا مفتوحا لأشخاص مفقودين في العراق، ومستمرون في دعم السلطات للمساعدة في إنهاء معاناة العائلات على النحو الذي تستحقه".
وأوضح المسؤول الأممي، أنه "في عام 2022، تلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر 1,477 طلبًا من ذوي المفقودين للبحث عنهم وإيجادهم، وقد ساعدت اللجنة في إيضاح مصير 678 شخصًا من خلال دعم السلطات في عمليات البحث ومن خلال الأنشطة التي ننفذها مثل تبادل الرسائل المكتوبة بين المحتجزين وعائلاتهم".
وتقدّر اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، أن العدد الخاص بالمتغيبين قسراً في العراق قد يتراوح منذ عام 2016 إلى 2020 بين 250 ألفًا ومليون شخص.
12 ألف بلاغ خلال 6 أعوام
وذكر المرصد العراقي لحقوق الإنسان بحسب تقرير نشره في شهر أغسطس الماضي، أنه "يتحتم على مجلس النواب العراقي بدورته الحالية، أن يعي أهمية وجود قانون يتعلق بالاختفاء القسري، يتضمن العمل الممنهج والواضح لكشف مصير آلاف المختفين والمفقودين، وإنشاء هيئة مستقلة تعنى بمتابعة الملف، شرط مشاركة منظمات حقوق الإنسان المحلية والصليب الأحمر والأمم المتحدة، لتحقيق أكبر قدر من الشفافية وإعلان النتائج للرأي العام".
ووفقاً للمرصد، فإن "نحو 12 ألف عائلة عراقية أبلغت عن مفقودين بين عامي 2017- 2023، ولا يعني هذا الرقم أن أعداد المفقودين والمختفين تنحصر به فحسب، بل هناك المئات من العائلات التي تخشى التحرك قانونياً للمطالبة بمعرفة مصير أولادها، ويشكل هذا الخوف لدى هذه العائلات نقطة التحول من الأمل إلى فقدانه حتى بمعرفة المصير".
قانون معطل
بدورها، كشفت النائبة في البرلمان عن حزب تقدم، نهال الشمري، عن حقائق جديدة تخص المغيبين قسرياً من قبل الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون.
وقالت النائبة الشمري في تصريح لـ "جسور بوست"، إن "عدد المفقودين غير معلوم حتى الآن ويحتاج إلى تدقيق وتواصل من قبل اللجان مع عوائلهم، مؤكد أن "قاعدة البيانات الخاصة بالأعداد المتاحة غير دقيقة، لأن عددا كبير من المفقودين تبين أنهم معتقلون ولديهم قيود جنائية".
نهال الشمري
وأشارت الشمري، إلى أن "المتغيبين قسرياً من قبل الجماعات المسلحة أدرجوا مع كل المفقودين بغض النظر عن سبب الفقدان أو وقته ومناطقيته"، مبينة أن "مجلس النواب في الدورات السابقة أعد مسودة قانون للمطالبة بحقوق المغيبين إلا أنها عرضت على لجنتي حقوق الإنسان والقانونية فقط، ولم تدرج على جدول أعمال جلسات البرلمان للتصويت عليها".
وأوضحت، أن "بعض مواد وفقرات مسودة القانون تحتاج إلى التنضيج والتعديل قبل طرحها على مجلس النواب للتصويت".
وفي عام 2010 صادق العراق على اتفاقية حماية الأشخاص من الاختفاء القسري، ومن المفترض أن يلتزم بتشريع قانون تتطابق مواده مع هذه الاتفاقية، لكن مجلس النواب العراقي في 4 دورات متتالية منذ تاريخ التصديق على الاتفاقية، لم ينجح بتشريع أي قانون يتعلق بالاختفاء القسري.
وفي هذا الصدد، أكد النائب في البرلمان العراقي يوسف السبعاوي خلال حديث لـ"جسور بوست"، أن "القوى السياسية أهملت ملف المغيبين الإنساني، واتخذته وسيلة للمزايدة السياسية، بدلا من البحث عن الحقيقة ومعرفة تفاصيل التغييب ومن هي الجهات التي أقدمت على تغييبهم".
يوسف السبعاوي
ونوه إلى أن "عدم وضوح بعض القوى السياسية وغياب الشفافية في مصارحة ذوي المغيبين يعد الخلل الرئيسي في عدم كشف ملابسات هذا الملف الخطير"، مشيرا إلى أن "إنهاء ملف المغيبين قسراً لا يحتاج إلى تشريع قانون من أجل إنهائه، بل حله مرهون بالتوافق السياسي وتغيير بوصلة الملف إلى إنساني بدلا من استغلاله انتخابياً لمعرفة مصيرهم".